الرئاسة الأمريكية- بين مطامع السياسة الخارجية والتحيز لإسرائيل

المؤلف: صدقة يحيى فاضل11.13.2025
الرئاسة الأمريكية- بين مطامع السياسة الخارجية والتحيز لإسرائيل

من المعلوم بالضرورة أن منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية متاح لكل من يستوفي الشروط المطلوبة، وأبرزها: أن يكون الشخص مولودًا على الأراضي الأمريكية، ويحمل جنسيتها الأصلية، وألا يقل عمره عن خمسة وثلاثين عامًا، وأن يتمتع بسيرة حسنة، وألا يكون قد ارتكب أي جريمة مخلة بالشرف والأمانة. وبطبيعة الحال، لا يشترط إطلاقًا أن يكون المرشح منتمياً إلى حزب سياسي معين، فالدستور الأمريكي، شأنه شأن معظم دساتير دول العالم، لا يشترط انتماء المرشح إلى حزب بعينه. فالدساتير لا تتطرق إلى الأحزاب إلا في سياق النص على حق الشعب في تشكيل ما يشاء من الأحزاب السياسية، وهذا الأمر برمته متروك للشعب نفسه. فتوجهات الشعب ورغباته هي التي تحدد طبيعة النظام الحزبي السائد في البلاد، سواء كان نظامًا متعدد الأحزاب كما هو الحال في إيطاليا على سبيل المثال، أو نظامًا ثنائي الأحزاب كالنموذج الأمريكي. فالشعب هو الذي يُنشئ الأحزاب السياسية التي يرغب بها، وفقًا للنظام الحزبي المتبع في كل دولة. والشعب هو الذي يمنح أصواته لأحزاب متعددة، أو يركز معظم أصواته على حزبين كبيرين. وإذا استمر هذا الوضع لفترة طويلة نسبيًا، يقال إن نظام الحزبين هو السائد في تلك الدولة، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية.

وبناءً على ذلك، نشاهد وجود عدد من الأحزاب السياسية الأمريكية التي تتنافس فيما بينها على كسب أصوات الناخبين، وهناك العديد من المرشحين الطامحين لمنصب الرئاسة، بالإضافة إلى مرشحي الحزبين الرئيسيين، وهما الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي. إلا أن وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية لا تسلط الضوء إلا على مرشحي الحزبين الأكبر. ويعتبر نظام الأحزاب المتعددة أكثر ديمقراطية، لأنه يمثل شريحة أوسع من المجتمع المعني بقضاياه. وفي كل دولة تحكمها حكومة تمثيلية، يوجد مرشحون يُعتبرون "مستقلين"، أي غير منتمين إلى أي حزب، ويفضلون الترشح بشكل مستقل دون دعم حزبي. وغالبًا ما يكون عدد المرشحين المستقلين محدودًا، ويواجهون صعوبة في تحقيق الفوز، وذلك غالبًا بسبب ضعف إمكاناتهم المادية والمعنوية، وعدم وجود حزب سياسي يساند حملتهم الانتخابية.



ومن بين أبرز المرشحين الآخرين (إضافة إلى ترامب وكاميلا هاريس) في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، يبرز المرشح المستقل "كورنيل ويست"، الذي أدلى بتصريحات بشأن السياسة الأمريكية الخارجية لوسائل الإعلام الأمريكية والدولية المختلفة، بما في ذلك حديثه لقناة "سكاي نيوز" عربية. وفيما يلي، نلخص أهم آرائه ومواقفه:

- فيما يتعلق بالهيمنة على القرار السياسي الأمريكي: يرى ويست أن الحزبين اللذين يحتكران حكم أمريكا لا يكترثان بصوت الشعب ورغباته، بل يوليان اهتمامًا كبيرًا للشركات الكبرى، وجماعات الضغط المؤثرة، وممولي الحملات الانتخابية، وخاصةً اللوبيات الصهيونية. ويرى أن ذلك يشكل فجوة عميقة في صميم الديمقراطية الأمريكية.

- فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية: يعتبر ويست من الشخصيات البارزة المناهضة للسياسة الخارجية الأمريكية الحالية تجاه الدول النامية، وخاصةً فلسطين. وقد شارك في العديد من المظاهرات الداعمة لفلسطين، والرافضة لسياسة الاحتلال الإسرائيلي. وصرح بأن تدهور سمعة أمريكا وهيمنتها يعود إلى دعمها المستمر للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني.

- كما يعتبر ويست من أشد المعارضين للسياسة الأمريكية الراهنة الداعمة لما ترتكبه إسرائيل من جرائم حرب وإبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.

- فيما يتعلق بالإمبريالية الأمريكية: يرى ويست أن أمريكا ليست بحاجة إلى إقامة قواعد عسكرية في مختلف أنحاء العالم، ويجب عليها التوقف عما وصفه بالغطرسة الإمبراطورية.

- يرى أن سمعة أمريكا وهيبتها في الوقت الراهن متدنية للغاية، ولتحسينها، يجب تغيير السياسات الإمبريالية المتغطرسة، والتعامل مع الدول الأخرى بكرامة واحترام حقيقيين، مع مراعاة حقوق الإنسان قولاً وفعلاً.

- وفيما يتعلق بما سيفعله في حال فوزه بالرئاسة: يقول ويست إن أمريكا ليست بحاجة إلى نشر وحدات عسكرية في شتى أنحاء العالم، ولا ينبغي لها أن تهيمن على بلدان العالم النامي، وتسخرها للقيام بأعمال استعمارية بالوكالة. بل تحتاج إلى استثمارات ضخمة في قطاعات التعليم والرعاية الصحية، وتوفير الأجور المعيشية المناسبة. ويرى أن ذلك يجب أن يكون على حساب المبالغ الضخمة المخصصة للجيش والتسلح. ويضيف: "لا نحتاج إلى أن نكون إمبراطورية مهيمنة على كل زاوية من زوايا العالم. يجب أن نكون أمة بين الأمم، وأن نعامل الدول الأخرى بكرامة. يمكننا انتقاد تلك الدول بسبب انتهاكها لحقوق الإنسان، ولكن يجب أن نلتزم بها نحن أولاً. يجب أن يكون هناك بُعد أخلاقي وروحي. فالغطرسة الإمبراطورية للولايات المتحدة هي التي تجلب الخيبة واللامبالاة، وتجعل الأمريكيين يشعرون دائمًا بأنهم محور الكون أينما حلوا".



وتتسم السياسة الداخلية الأمريكية، بجملة أمور، بدعم وتشجيع الرأسمالية المتطرفة، وعدم الاهتمام الكافي بمبدأ التكافل الاجتماعي. وعندما نتجاوز تحليل السياسة الداخلية، ونركز على الجانب الأكثر أهمية بالنسبة لنا، وهو السياسة الخارجية الأمريكية، نجد أن هناك "مداخل" مبسطة تساعد على فهم السياسة الخارجية لأي دولة بشكل عام. ومن بين هذه المداخل، اعتماد تعريف "السياسة الخارجية" (لأي دولة) بأنها: الأهداف التي تسعى تلك الدولة إلى تحقيقها خارج حدودها، و"الوسائل" (الاستراتيجيات) التي تتبعها لتحقيق تلك الأهداف. لذا، عندما نحاول فهم السياسة الخارجية لدولة معينة تجاه منطقة أو جهة خارج حدودها، يمكننا تلمس "الأهداف" المنشودة و"الوسائل" المتبعة لتحقيقها. وفي كثير من الأحيان، يحدث تداخل بين الأهداف والوسائل، مما يجعل التمييز بين الغاية والوسيلة أمرًا صعبًا في بعض الأحيان. هذا المدخل يمكن استخدامه في محاولة فهم أي سياسة خارجية لأي دولة.

وهناك مداخل أخرى ممكنة، صُممت لفهم أهم ملامح السياسة الخارجية، وحتى الداخلية، للقوة العظمى الحالية، الولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها من الدول. ومن بين "المداخل" الممكنة لفهم هذه السياسة بشكل خاص، المدخل الذي اقترحه عالم السياسة الأمريكي الشهير "والتر راسل ميد". وفيما يلي، سنوجز، من خلال مدخل الأهداف/الوسائل، ما نعتقد أنه أبرز ملامح السياسة الأمريكية الخارجية تجاه المنطقة العربية فقط في الوقت الحاضر. نجد أن أمريكا قد "خسرت" ود معظم شعوب هذه المنطقة، بسبب ما يشوب سياساتها من سلبية وظلم، وازدواجية مقيتة في المعايير.



لقد اتسمت أهداف السياسات الأمريكية تجاه المنطقة، في العقود السبعة الماضية على وجه الخصوص، بسمات يمكن وصفها بأنها "عدائية" واستغلالية وانتهازية، على الرغم من أن أمريكا، باعتبارها صاحبة النفوذ الأكبر على مستوى العالم، كان بإمكانها أن تفعل الكثير والكثير لصالح الأمن والسلم الدوليين والإقليميين. ومن بين أبرز هذه السلبيات: الادعاء بحماية مبادئ الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية، وفي الوقت نفسه السعي إلى محاربة هذه المبادئ في المنطقة، صراحة وضمنًا، بالإضافة إلى ازدواجية المعايير المتبعة في المنطقة. كما أنها لا تسعى لحل الصراعات المختلفة في المنطقة، بل غالبًا ما تعمل على تأجيج الصراعات بين الأطراف المختلفة لإطالة أمدها.

ولكن أسوأ ما يلاحظ على هذه السياسة هو انحيازها الأعمى لإسرائيل، وتحالفها الوثيق مع هذا الكيان الذي يرتكب إحدى أكبر جرائم العصر، باحتلال فلسطين والتنكيل بشعبها، باستخدام الأسلحة الأمريكية. وأمريكا تستخدم هذا الكيان كقاعدة متقدمة معادية، هدفها تحقيق المطامع الصهيونية والاستعمارية، متجاهلة كل المبادئ والأعراف الإنسانية والدولية، ودون اعتبار للحقوق العربية والفلسطينية، ولمنطق الحق والقانون.

وفيما يتعلق بالمرشح "ويست"، فسيكون حضوره في حفل الانتخابات شرفيًا، فالجهات الصهيونية الفاعلة هي من اختارت من سيحكم أمريكا في السنوات الأربع القادمة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة